الرضا
هـو القنـوع بالشـيء والاكتفـاء بـه. يقــال: رضيــت بالشــيء:
قنعــت بــه ولــم أطلــب غيــره. ورضيــت باللــه ربــاً: اكتفيـــت
بـــه . ورضيـــت بالقضـــاء : سلمـــت لـــه، وهـــو الـــذي تتضـــاءل
عنـــده عظـــام الأمـــور، وتتصاغــر لديــه كبــار الشــرور، ويطيــب
بــه عيــش صاحبــه، وتهــون مــن الدهــر نوائبـــه؛ لـــأن مـــن علـــم
أن مــا أتــاه مــن موجــده وخالقــه ومــن هــو أرحــم بــه مــن أبيــه
وأمـــه؛ كيـــف لا يرضـــى بقضائـــه؟! ولا يعلـــم أن الخيـر فيمـا
ارتضـاه؟! وهـل يعتـرض مالـك العبــد فــي تصرفــه بعبــده ببيــع ونحــوه؟
فكيــف بتصــرف العالــم بمـــا كـــان ومـــا سيكـــون؟! والعـــارف
بمصالحـــه القائـــل:
(وَمـــا أَصـــابَ مِـــنْ مُصِيبَـــةٍ
فِـــي الـــأَرْضِ وَلا فِــــي أَنْفُسِكُـمْ إِلاَّ فِـي كِتـابٍ مِـنْ
قَـبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَـا إِنَّ ذَلِـكَ عَلـى اللـهِ يَسيـر لِكَــيْلا
تَأْسَــوْا عَلــى مــا فاتَكُــمْ وَلا تَفْرَحُــوا بِمَــا آتَاكُــمْ
وَاللــهُ لاَ يُحِــبُّ كُــلَّ مُخْتــالٍ فَخُــورٍ) والقائــل:
(مــا أَصــابَ مِــنْ مُصِيبَــةٍ إلاَّ بـــإِذْنِ اللـــهِ وَمَنْ
يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٍ).
قــال الزمخشــري فــي الآيــة الأولــى: "يعنــي أنكــم إذا علمتــم أن
كــل شــيء مقــدم مكتــوب عنــد اللــه قـــل أساكــم علــى الفائــت
وفرحكــم بالآتــي؛ لــأن مــن علـــم أن مـــا عنـــده مفقـــود لا
محالـــة لـــم يتفاقـــم جزعـــه عنــد فقــده؛ لأنــه وطّــن نفســه
علــى ذلــك . وكذلــك إذا علــم أن بعــض الخيــر واصـــل إليـــه، وأن
وصولـــه لا يفوتـه، لـم يعظـم فرحـه عنـد نيلــه. ثــم قــال:
والمــراد الحــزن المخــرج إلــى مــا يذهــل صاحبــه عــن الصبــر
والتسليــم لأمــر اللــه ورجــاء ثــواب الصابريــن . والفــرح المضغــي
الملهــي عــن الشكـــر .
فأمـــا الحـــزن الـــذي لا يكــاد يخلــو منــه الإنســان مـــع
الاستسلـــام والســـرور بنعمـــة اللـــه والاعتـــداء بهـــا مـــع
الشكـــر ـ فـــلا بـــأس بهما.
ومما يدل على هذا قوله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوم موت إبراهيم:
"عيـــنٌ تدمـــع، وقلـــب يخشـــع، ولا نقـــول إلا مـــا يُرضـــي
الـــرّبّ، وإنّـــا لمحزونــــون عليــــك يــــا إبراهيــــم" .
وروي عن ابن مسعود في تفسير الآية الثانية قال: "هي المصائب تُصيب الرجل
فيعلم أنها من عند الله فيُسلّم لها ويرضى" .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (يَهْدِ قَلْبَهُ) قال:
"يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئهُ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه" .
وعن رجل من بني سليم أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: "إن اللـه
ليبتلـي العبـد فيمـا أعطـاه، فـإن رضـي بمــا قســم لــه بــورك لــه
ووسّعــه، وإن لــم يــرضَ لــم يبــارك له ولم يُزد على ما كُتِبَ لهُ"
.
وروى الترمذي وابن ماجه عنه(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: "إن عظــم
الجــزاء مــع عظــم البــلاء، وإن اللــه تعالــى إذا أحــب قومــاً
ابتلاهــم، فمــن رضــي فلــه الرضـــى"
وعن أبي هريرة مرفوعاً: "ثلــاثٌ مــن أُوتيهـــنَّ فقـــد أُوتـــي
مثـــل مـــا أوتـــي آل داوُد: العـــدل فـــي الغضـــب، الرضـــى
والقصـــد فـــي الفقر، الغنى وخشية الله تعالى في السر والعلانية" .
وعن عمران بن حصين عنه(صلى الله عليه وآله وسلم): "ثلـــاثٌ يـــدرك
بهـــن العبـــد رغائـــب الدنيـــا والآخـــرة : الصبــــرُ علــــى
البــــلاء، والرضــــا بالقضــــاء، والدعــــاء في الرخاء " .
وعن معاذ عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم):
"ثلــاثٌ مــن كــن فيــه فهــو مــن الأبــدال: الرضــا بالقضـــاء،
والصبـــرُ علـــى محـــارم اللـــه، والغضـــب فـــي ذات الله عز وجل" .
وعن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:" اتقِ المحــارم
تكــن أعبــد النــاس، وارض بمــا قســم لــك تكــن أغنــى النــاس،
وأحســن إلـــى جـــارك تكـــن مؤمنــًا، وأحــب للنــاس مــا تُحــبُّ
لنفســك تكــن مسلمــًا، ولا تُكثــر الضحــك؛ فـــإن كثـــرة الضحـــك
تُميـــت القلب" .
وعن ابن عمر(رضي الله عنه)قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):
"خمــسٌ مــن الإيمــان، مــن لــم يكــن فيــه شــيء منهــن فــلا
إيمــان لـــه: التسليـــم لأمـــر اللـــه، والرضـــا بقضـــاء الله،
والتفويض إلى الله، والتوكل على الله، والصبر عند الصدمة الأولى" .
وعن سعد مرفوعاً بلفظ: "من سعادة ابن آدم استخارة الله، ومن شقاوة ابن
آدم سخطه مما قضى الله " .
وعن أبي هند الداري قال:قال الله تعالى: (مَنْ لَمْ يَرْضَ بقَضائي
وَلَمْ يَصْبِرْ عَلى بَلائي فَلْيَلْتَمِسْ رَبّاً سِوائي)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "قُلِ
اللهمَّ إني أسألك نفساً مطمئنةً تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك" .